السبت، 23 أبريل 2016

دُعاةُ على أبواب الحضارة

في يوم من الأيام دعت الجامعة إلى أن هناك حفل خاص "لليوم العالمي" وهذا الحفل يجمع خليط من الثقافات المختلفة من العربية و الهندية والآسيوية و الأوروبية والأمريكيتين الشمالية والجنوبية فتكون سلة غذائية روحية لأي إنسان من شتى بقاع الأرض , وجاء هذا اليوم الموعود وحضر المئات من سكان المدينة فيهم كبار السن والصغار وبالتأكيد لا يخلوا من عماد المجتمعات وهم الشباب والشابات.
 وبدأت كل جالية من هذه القارات باستعراض ما يميزها على المسرح , وما إن حان موعد العرض العربي دخلوا رجالاً وكان معهم الآت موسيقية عربية وبدأوا بالعزف فأصبح كل المسرح صامت وينصت بإنصات عجيب , وما إن بدأت الموسيقى بالإرتفاع الروحي و الآلي طالب العازف من الحاضرين بالمسرح بالتصفيق فأول من تحمس لهذه المطالبة هم العرب , فشكّل عزف العازفين وتصفيق الحاضرين لوحة فنية رائعة اندهش لها أي شخص لا ينتمي للثقافة العربية الأصيلة , مع نهاية الحفل أدركنا أنه بإمكاننا من خلال المسرح أن ننشر ثقافتنا بكل يسر وسهولة وأننا لسنا دعاة على أبواب جهنم إنما نحن دعاة إلى صنع الحضارات.

ولذلك لا أزال أتذكر مشاركات الطلاب في المرحلة المتوسطة بالمسرح المدرسي وكيف شعرنا بأن المسرح أيضَا هو منارة أُخرى للتعليم اللامنهجي , ومن هنا نشعر بأهمية الفنون والأدب وأهمية المسرح وكيف أن لدينا مكون ثقافي أصيل متراكم على مدى أجيال من الزمن , فنحن من أصّلنا هذه الفنون في وقت عز و شموخ الحضارة الإسلامية والممتدة من بلاد الأندلس غربًا مرورًا إلى بلاد الصين شرقًا.
فنتمنى من الله العلي القدير أن يمنح مجتمعنا جزءًا من ماضيه الأدبي المفقود , وأن يكون الفن والمسرح من خطط المملكة المستقبلية حتى عام 2030 والتي سميت بـ "التحول الوطني."

َ

الجمعة، 5 فبراير 2016

المستشرق المستسرق

لربما تستغرب اخي القارئ و اختي القارئة من هذا العنوان المبهم و الذي يدل على المستشرقين الغربيين الذين اتوا الى الجزيرة العربية وزاروها في القرن الماضي بل و البعض منهم استوطن الجزيرة وعاش فيها عشرات السنين , ولكن لم يأتوا حبًا لهذه الأرض وشعبها بل اتوا لكي يدرسوا هذه المنطقة دراسة فائقة وشاملة بأدق التفاصيل لكافة جوانب حياة الإنسان العربي وحضارته التي امتدت لـ آلاف السنين , ومن ثم اصبحوا على دراية كاملة بتركيبة هذا الشعب و مميزاته و سلبياته , وللأسف فلقد نجحوا نجاحًا باهرًا واصبحوا أداة لتسلط الغرب على الشرق , بل اصبحوا يصورون للأجيال العربية الجديدة تاريخهم بشكل مكذوب من خلال الرسومات الفنية والتي توحي ان العرب لا يفكرون الا بشيئين وهما ( الطعام والجنس ) او من خلال كتابة تاريخ الجزيرة العربية في كتبهم بشكل مغاير و طمس الحقائق في الحروب او في الطرق التجارية القديمة التي اشتهر العرب بها مثل ( طريق البخور ) والذي يبدأ من مناطق قتبان في الزاوية الجنوبية الغربية من الجزيرة العربية وتنتهي في ثلاثة فروع هي ( تدمر و ومصر و عمّان) , او حتى المعلقات السبع الشعرية العربية الشامخة لـ ( امرؤ القيس و طرفة بن العبد وغيرهم ) واستبدالها بالشعر النبطي الحالي لكي يفصلوا الخليج العربي عن البحر المتوسط.

وايضا كان لهم دور كبير في تغيير نظرة شعوب العالم للجزيرة العربية حتى من خلال مسميات الأماكن التاريخية و اذكر في احدى الايام وامام احدى المعلمات الأمريكيات كنت اقرأ مقال بتوصية منها عن منطقة الشرق الأوسط ( وهذه التسمية فرضت علينا وهي من صنعهم ) , وانا في نهاية قراءتي مرّة كلمة صمتُ بها قليلاً وهي ( الخليج الفارسي ) فمن خلال ما تربيت عليه وما اعتز به من قيم عربية , انفت نفسي ان تنطق هذه العبارة فستبدلتها ( بالخليج العربي ) , فما كان من المعلمة الا انها استشاطت غضبا بسبب تغييري للجملة وكأن الخليج ملكٌ لأبيها , ومن هنا يأتي خبث المستشرق ودوره في توصيل رسالة ما رأى وما سمع الى الشعوب الاخرى !

ومن اشهر المستشرقين والذي علا صيته وشأنه بين العرب هو المستشرق توماس إدوارد لورناس , والشهير بـ (لورانس العرب) وكان لورانس قادم الى الجزيرة العربية بحجة الاكتشاف الأثري ومن ثم بقدرة قادر اصبح الشخص المقرب لشيوخ القبائل العربية انذاك , وفيما بعد تم اكتشاف بأنه ضابط في المخابرات البريطانية و سلاح الجو البريطاني , وقد وعد شيوخ القبائل بأن بريطانيا على استعداد تام بأن تؤمن الإستقلال الكامل للعرب من السلطة العثمانية التركية .. وللأسف وبعد نجاح الثورة المزعومة تم عقد اتفاقية سايسك بيكو والتي تم تقسيم الدول العربية الى عدة اقسام تحت استعمار الدول الأوروبية الصليبية العظمى , وماكانت من وعود لورانس الا لعبة وخيانة لكل العرب , لم يكن سببها لورانس بل غباء شيوخ القبائل انذاك وحمقهم مما دفع لأبنائهم والأجيال التي تلتها من ان يعانوا الأمرين من هذا التحالف الغادر, وللأسف لا نزال الى يومنا هذا ندفع ضريبة حمق اجدادنا !
 لكن هذا لا يمنع من ان نقول بأن الضابط توماس لورانس استطاع ان يتعرف على عادات الإنسان العربي وتركيبته المتميزة الذي وهبه الله عن سائر شعوب الأرض !

وهذا وللأسف ما نفقده نحن العرب في هذه الأيام من معرفة انفسنا وقدراتنا ونجعل الطرف الأخر هو من يقيم من نحن وماذا نفعل وماهو تاريخنا وماهي حضارتنا , للأسف هؤلاء المستشرقين استطاعوا ان يغيروا تركيبة المجتمع حتى اصبحنا سلبيين عنصريين , ندعي الكرم وهو اسراف , وندعي العلم وهو الجهل , وندعي القداسة واننا شعب الله المختار ولكننا نسينا حق الله علينا !

وياخوفي مع مرور الأجيال ان نصل الى مرحلة نكون لا نعرف معنى كلمة "عرب" !!